الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
هو والفوات من العوارض النادرة فأخرهما، وقدم الإحصار؛ لأنه وقع له عليه السلام دون الفوات واختلف في معناه اللغوي فقيل الإحصار للمرض والحصر للعدو، وعليه فقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} لبيان حكم المرض، وألحق به الحصر بالعدو دلالة بالأولى؛ لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه مع المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب والأكثر على أن الإحصار هو المنع سواء كان من خوف أو مرض أو عجز أو عدو واختاره في الكشاف، وفي المغرب الحصر المنع من باب طلب يقال أحصر الحاج إذا منعه خوف أو مرض من الوصول لإتمام حجته أو عمرته، وإذا منعه سلطان أو مانع قاهر في حبس أو مدينة قيل حصر، هذا هو المشهور، وفي الشريعة هو منع الوقوف والطواف. (قوله: لمن أحصر بعدو أو مرض أن يبعث شاة تذبح عنه فيتحلل) لما تلونا من الآية، وأفاد بذكر اللام دون على أنه لو صبر ورجع إلى أهله بغير تحلل إلى أن يزول الخوف فإنه جائز فإن أدرك الحج، وإلا تحلل بالعمرة فالتحلل بذبح الهدي إنما هو للضرورة حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه كما ذكره الشارح فما وقع في المبسوط من التعبير بعلى في غير محله. وأشار بذكر العدو والمرض إلى كل منع فيكون محصرا بهلاك النفقة، وموت محرم المرأة أو زوجها في الطريق وشرط في التجنيس عدم القدرة على المشي فيما إذا سرقت النفقة فإن قدر عليه فليس بمحصر، وعلله في المبسوط بأنه لا يبعد أن لا يلزمه المشي في الابتداء ويلزمه بعد الشروع كما لا تلزمه حجة التطوع ابتداء ويلزمه الإتمام إذا شرع فيها، وجعل في المحيط ما في التجنيس قول محمد، وقال: أبو يوسف إن قدر على المشي في الحال وخاف أن يعجز جاز له التحلل، ومن الإحصار ما إذا أحرمت المرأة بغير زوج أو محرم فلا تحل إلا بالدم؛ لأن المنع الشرعي آكد من المنع الحسي، ومنه ما إذا أحرمت للتطوع بغير إذن الزوج لكن للزوج أن يحللها بغير الهدي بأن يصنع بها أدنى ما يحرم على المحرم كقص ظفر واختلفوا في كراهة تحليلها بالجماع، وذكر القولين في المحيط من غير ترجيح وينبغي ترجيح الكراهة لتصريحهم بالكراهة في إجازة نكاح الفضولي بالجماع ودواعيه، وعليها هدي الإحصار، وقضاء حجة وعمرة إن لم تحج في هذه السنة، وإلا فالحج كاف، ولا تحتاج إلى نية القضاء؛ لأنه لزمها حجة هذه السنة، وأنها متعينة فلا تفتقر إلى النية المتعينة، ومنه ما إذا أحرم العبد بغير إذن مولاه وللمولى أن يحلله بغير هدي، وعلى العبد هدي، وقضاء حجة وعمرة بعد العتق، وإن أحرم بإذنه كره له أن يحلله وصح؛ لأن اللزوم، ولم يظهر في حق السيد؛ لأن منافعه مملوكة للسيد وبالإذن صار معيرا منافعه وللمعير أن يسترد ما أعار بخلاف المنكوحة إذا أحرمت بإذن الزوج فإنه ليس له أن يحللها؛ لأن منافعها مملوكة لها حقيقة، وإنما للزوج فيها حق، وقد أسقط حقه بالإذن، وأما إذا أحرم العبد بإذن المولى ثم أحصر بعدو أو مرض اختلفوا فاختار في المحيط، وفتاوى قاضي خان أنه لا يجب دم الإحصار على المولى، وإنما يجب على العبد بعد الإعتاق واختار الإسبيجابي وجوبه على المولى بمنزلة النفقة وذكر القولين في معراج الدراية وينبغي ترجيح الأول لما أنه عارض لم يلتزمه المولى بخلاف النفقة، وإنما كان الواجب الشاة؛ لأن المنصوص عليه هو ما استيسر من الهدي، وأدناه شاة، وليس المراد به بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك قد يتعذر بل له أن يبعث بقيمتها حتى يشترى بها شاة فتذبح في الحرم. وأفاد باقتصاره على بعث الشاة أنه لو لم يجد ما يذبح لا يقوم الصوم أو الإطعام مقامه بل يبقى محرما إلى أن يجد أو يطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق كما في الخانية وغيرها، وأفاد بالفاء التي للتعقيب في قوله فيتحلل إلى أنه لا يتحلل إلا بالذبح؛ ولهذا قالوا إنه يواعد من يبعثه بأن يذبحها في يوم معين فلو ظن أنه ذبح هديه ففعل ما يفعله الحلال ثم ظهر أنه لم يذبح كان عليه ما على الذي ارتكب محظورات إحرامه لبقاء إحرامه كذا في النهاية، وأفاد بذكر التحلل بعد الذبح إلى أنه لا حلق عليه، ولا تقصير، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وإن حلق فحسن، وقال أبو يوسف عليه أن يحلق، وإن لم يحلق فلا شيء عليه، وأطلقه في الهداية فشمل ما إذا أحصر في الحل أو الحرم، وقيده المصنف في الكافي بما إذا أحصر في الحل أما إذا أحصر في الحرم فيحلق اتفاقا وينبغي أن لا خلاف فإنهما قالا: بأنه حسن، وهو قال: باستحبابه، ولم يقل بوجوبه بدليل أنه قال: وإن لم يفعل فلا شيء عليه كما في الخبازية، ومعراج الدراية. (قوله: ولو قارنا بعث دمين) أي لو كان المحصر قارنا فإنه يبعث دما لعمرته ودما لحجته؛ لأنه محرم بهما أطلقه فأفاد أنه لا يحتاج إلى تعيين الذي للعمرة والذي للحج كما في المبسوط، وأفاد أنه لو بعث بهدي واحد ليتحلل عن أحدهما ويبقى في الآخر لم يتحلل عن واحد منهما؛ لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في حالة واحدة فلو تحلل عن أحدهما دون الآخر يكون فيه تغيير للمشروع، ولو بعث بثمن هديين فلم يوجد بذلك بمكة إلا هدي واحد فذبح عنه فإنه لا يتحلل لا عنهما، ولا عن أحدهما، وأشار إلى أنه لو أحرم بعمرتين أو بحجتين ثم أحصر قبل السير فإنه يتحلل بذبح هديين في الحرم بخلاف ما إذا أحصر بعد السير فإنه يصير رافضا لأحدهما به كما قدمناه في الباب السابق، وأشار بالاكتفاء بالبعث في المفرد والقارن إلى أنه إذا بعث الهدي إن شاء رجع، وإن شاء أقام إذ لا فائدة في الإقامة. (قوله: ويتوقف بالحرم لا بيوم النحر) يعني فيجوز ذبحه في أي وقت شاء لإطلاق قوله تعالى: {فما استيسر من الهدي} من غير تقييد بالزمان، وأما تقييده بالمكان فبقوله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} أي مكانه، وهو الحرم فكان حجة عليهما في قياس الزمان على المكان فلو ذبح في الحل فحل على ظن الذبح في الحرم فهو محرم كما كان، ولا يحل حتى يذبح في الحرم، وعليه الدم لتناول محظورات إحرامه كذا ذكره الإسبيجابي أطلقه فشمل إحرام الحج، وإحرام العمرة لكن لا خلاف أن المحصر بالعمرة لا يتوقف ذبحه باليوم، وفي المحيط جعل المواعدة المتقدمة إنما يحتاج إليها على قول أبي حنيفة؛ لأن دم الإحصار عنده لا يتوقف باليوم فلا يصير وقت الإحلال معلوما للمحصر من غير مواعدة، ولا يحتاج إليها عندهما؛ لأن دم الإحصار مؤقت عندهما بيوم النحر فكان وقت الإحلال معلوما. ا هـ. وفيه نظر؛ لأنه موقت عندهما بأيام النحر لا باليوم الأول فيحتاج إلى المواعدة لتعيين اليوم الأول أو الثاني أو الثالث، وقد يقال يمكنه الصبر إلى مضي الأيام الثلاثة فلا يحتاج إليها. (قوله: وعلى المحصر بالحج إن تحلل حجة وعمرة، وعلى المعتمر عمرة، وعلى القارن حجة، وعمرتان) بيان لحكم المحصر المآلي فإن له حكمين حاليا، ومآليا فما تقدم من بعث الشاة حكم الحالي والقضاء إذا تحلل وزال الإحصار حكمه المآلي فإن كان مفردا بالحج فإن حج من سنته فإنه لا يلزمه شيء، وإلا لزمه قضاؤها، وعمرة أخرى؛ لأنه فائت الحج أطلقه فشمل ما إذا كان الحج فرضا أو نفلا شرع فيه وشمل ما إذا قرن في القضاء أو أفردهما فإنه مخير؛ لأنه التزم الأصل لا الوصف، وأما نية القضاء فإن كان بحج نفل، وتحولت السنة فهي شرط، وإن كان بحجة الإسلام فلا ينوي القضاء بل حجة الإسلام، وإنما لزم القارن عمرة ثانية؛ لأنه فائت الحج فلذا لو حج من سنته، وأتى بهما فإنه لا يلزمه عمرة أخرى، وأطلقه أيضا فأفاد أن له في القضاء القران، وإفراد كل واحد من الثلاثة لما قدمناه هكذا صرحوا به هنا، وممن صرح به صاحب المبسوط والمحيط والولوالجي والمحقق ابن الهمام ويرد عليه ما قالوه في هذا الباب: من أنه إذا زال الإحصار إنما لم يجب عليه أن يأتي بالعمرة التي وجبت عليه بالشروع في القران؛ لأنه غير قادر على أدائها على الوجه الذي التزمه، وهو أن تكون أفعال الحج مرتبة عليها وبفوات الحج يفوت ذلك فإن هذا يقتضي أن ليس له الإفراد، وأن القران واجب في القضاء ويناقضه ما قالوه في باب الفوات من أن القارن إذا فاته الحج أدى عمرته من سنته، وأدى الحج من سنة أخرى؛ لأنها لا تفوت، ولا شك أن المحصر فائت للحج إذا لم يدركه في سنته والحق هو الأول؛ لأن بالشروع التزم أصل القربة لا صفتها، وهو القران كما لو شرع في التطوع قائما لا يلزمه القيام عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. (قوله: فإن بعث ثم زال الإحصار، وقدر على الهدي والحج توجه، وإلا لا) أي إن لم يقدر عليهما لا يلزمه التوجه، وهي رباعية فإن قدر عليهما لزمه التوجه إلى الحج، وليس له التحلل بالهدي؛ لأنه بدل عن إدراك الحج، وقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود من البدل، وإن لم يقدر عليهما لا يلزمه التوجه، وهو ظاهر، وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة جاز؛ لأنه هو الأصل في التحلل، وفيه فائدة، وهو سقوط العمرة في القضاء، وإن كان قارنا فله أن يأتي بالعمرة لما قدمناه من أنه مخير بين القران والإفراد في القضاء والثالث أن يدرك الهدي دون الحج فيتحلل والرابع عكسه فيتحلل أيضا صيانة لماله عن الضياع والأفضل التوجه، وذكر في الهداية أن هذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج؛ لأن دم الإحصار عندهما يتوقف بيوم النحر فمن يدرك الحج يدرك الهدي. وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة، وفي المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق لعدم توقت الدم بيوم النحر وذكر في الجوهرة أنه يستقيم على الإجماع كما إذا أحصر بعرفة، وأمرهم بالذبح قبل طلوع الفجر يوم النحر فزال الإحصار قبل الفجر بحيث يدرك الحج دون الهدي؛ لأن الذبح بمنى. ا هـ. وجوابه أن الإحصار بعرفة ليس بإحصار لما سيأتي فلو أحصر بمكان قريب من عرفة لاستقام، وفي المحيط لو بعث المحصر هديا ثم زال الإحصار وحدث آخر ونوى أن يكون عن الثاني جاز وحل به، وإن لم ينو حتى نحر لم يجز كمن وكل في كفارة يمين فكفر الموكل ثم حنث في يمين آخر فنوى أن يكون ما في يد الوكيل كفارة الثانية فإنه يجوز، وإن لم ينو حتى تصدق المأمور لا، وكذا لو بعث هديا جزاء صيد ثم أحصر فنوى أن يكون للإحصار، ولو قلد بدنة، وأوجبها تطوعا ثم أحصر فنوى أن يكون لإحصاره جاز، وعليه بدنة مكان ما أوجب. وقال: أبو يوسف لا يجزئه إلا عن التطوع؛ لأنها صارت كالوقف وخرجت عن ملكه عنده فلا يملك صرفها إلى غير تلك الجهة. ا هـ. (قوله: ولا إحصار بعدما وقف بعرفة)؛ لأنه لا يتصور الفوات بعده فأمن منه، وإنما تحقق الإحصار في العمرة، وإن كانت لا تفوت للزوم الضرر بامتداد الإحرام فوق ما التزمه، وأما المحصر في الحج بعد الوقوف فيمكنه التحلل بالحلق يوم النحر في غير النساء فلا ضرورة إلى التحلل بالدم ثم إن دام الإحصار حتى مضت أيام التشريق فعليه لترك الوقوف بالمزدلفة دم ولترك الجمار دم ولتأخير الحلق دم ولتأخير الطواف دم في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد ليس عليه لتأخير الحلق والطواف شيء كذا في الكافي للحاكم الشهيد، وقد قدمنا عن البدائع وغيره أن واجب الحج إذا تركه بعذر لا شيء عليه حتى لو ترك الوقوف بالمزدلفة خوف الزحام لا شيء عليه كما لا شيء على الحائض بترك طواف الصدر فلا شك أن الإحصار عذر فلا شيء عليه بترك الواجبات للعذر مع أنه منقول في الحاكم كما رأيت، وهو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية، وقد ظهر لي أن كلامهم هنا محمول على الإحصار بسبب العدو لا مطلقا فإنه إذا كان بالمرض فهو سماوي يكون عذرا في ترك الواجبات، وإن كان من قبل العباد فإنه لا يكون عذرا في إسقاط حق الله تعالى كما قالوه في باب التيمم أن العدو إذا أسروه حتى صلى بالتيمم فإنه يعيدها بالوضوء إذا أطلق؛ لأنه من قبل العباد ثم اختلفوا في تحلل المحصر بعد الوقوف قيل لا يتحلل في مكانه ويدل عليه عبارة الأصل حيث قال: وهو حرام كما هو حتى يطوف طواف الزيارة، وهو يدل على تأخير الحلق على أن يفعله في الحرم، وقيل يتحلل في مكانه ويدل عليه عبارة الجامع الصغير حيث قال: وهو محرم على النساء حتى يطوف طواف الزيارة قال العتابي: وهو الأظهر كذا في غاية البيان. (قوله: ومن منع بمكة عن الركنين فهو محصر، وإلا لا) أي، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر؛ لأنه إذا منع عنهما في الحرم فقد تعذر عليه الإتمام فصار كما إذا أحصر في الحل، وإذا قدر على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في التحلل، وأما إن قدر على الوقوف فلما بينا، وقد قيل في المسألة خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف والصحيح ما تقدم من التفصيل كذا في النهاية، وهو إشارة إلى رد ما في المحيط حيث جعل ما في المختصر من التفصيل رواية النوادر، وأن ظاهر الرواية أن الإحصار بمكة عنهما ليس بإحصار؛ لأنه نادر، ولا عبرة به. (من فاته الحج بفوت الوقوف بعرفة فليحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل بلا دم) بيان لأحكام أربعة. الأول: أن فوات الحج لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة بمضي وقته. الثاني: أنه إذا فاته فإنه يجب عليه أن يخرج منه بأفعال العمرة. الثالث: لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذرا أو تطوعا، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها الإجماع. والرابع: عدم لزوم الدم لحديث الدارقطني المفيد لذلك لكنه ضعيف لكن تعددت طرقه فصار حسنا، وأشار بقوله فليحلل بعمرة إلى وجوبها كما صرح به في البدائع، وإلى أنه يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر، وإلى أن إحرامه لا ينقلب إحرام عمرة بل يخرج عن إحرام الحج بأفعال العمرة، وهو قولهما خلافا لأبي يوسف ويشهد لهما أن القارن إذا فاته الحج أدى عمرته؛ لأنها لا تفوت ثم أتى بعمرة أخرى لفوات الحج ثم يحلق، ولا دم عليه؛ لأنه للجمع بين النسكين، ولم يوجد فلو انقلب إحرامه عمرة لصار جامعا بين إحرام عمرتين، وأدائهما في وقت واحد، وهو لا يجوز ويشهد لهما أنه لو مكث حراما حتى دخل أشهر الحج من قابل فتحلل بعمل العمرة ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا فلو انقلب إحرامه عمرة كان متمتعا كمن أحرم للعمرة في رمضان فطاف لها في شوال كذا في المبسوط ويشهد لأبي يوسف أن فائت الحج لو أقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الإحرام لا يجزئه من حجته فلو بقي أصل إحرامه لأجزأه. وأجاب عنه في المبسوط بأنه، وإن بقي الأصل لكن تعين عليه الخروج بأعمال العمرة فلا يبطل هذا التعيين بتحول السنة مع أن إحرامه انعقد لأداء الحج في السنة الأولى فلو صح أداء الحج به في السنة الثانية تغير موجب ذلك العقد بفعله، وليس إليه تغيير موجب عقد الإحرام وذكر في المحيط أن فائدة الخلاف تظهر فيما إذا فاته الحج فأهل بحجة أخرى غير الأولى صحت وبرفض الأخرى عند أبي حنيفة، وعند محمد لا تصح، وعند أبي يوسف يمضي في الأخرى؛ لأن عنده إحرام الأولى انقلب للعمرة، وهذا محرم بالعمرة، وقد أضاف إليها حجة، وعنده لما بقي إحرامه فإذا أحرم بحجة أخرى يرفضها لئلا يكون جامعا بين إحرامي حج، وعليه دم، وعمرة وحجتان من قابل فإن كان نوى بالثانية قضاء الفائتة فهي هي، وعليه القضاء؛ لأنه باق في إحرام الحج فإذا نوى به القضاء يصير ناويا للإحرام القائم فلا تصح نيته، ولا يصير محرما بإحرام آخر، وأطلق في فوت الحج فشمل الحج الفاسد والصحيح فلو أهل بحج ثم أفسده بالجماع قبل الوقوف ثم فاته الحج فعليه دم للجماع ويحل بالعمرة؛ لأن الفاسد معتبر بالصحيح، وكذا لو انعقد فاسدا كما إذا أحرم مجامعا فإنه ملحق بالصحيح، وقول صاحب الهداية؛ لأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا يخرج عنه إلا بأداء أحد النسكين محمول على اللازم للاحتراز عن غير اللازم ليخرج به العبد والزوجة إذا أحرما بغير إذن لا ما قابل الصحيح، وهو الفاسد وليخرج به ما إذا أدخل حجة على عمرة أو على حجة فإنه ليس بلازم ولذا وجب الرفض، ولا يرد عليه المحصر فإن إحرامه لازم مع أنه يخرج عنه بغير الأفعال؛ لأنه عارض لا بطريق الوضع. (قوله: ولا فوت لعمرة) لعدم توقيتها بالإجماع. (قوله: وهي طواف وسعي) أي أفعال العمرة طواف بالبيت سبعة أشواط وسعي بين الصفا والمروة، وليس مراده بيان ماهيتها؛ لأن ركنها الطواف فقط، وأما السعي فواجب، وإنما لم يصرح بوجوبه فيها للعلم به من الحج؛ لأن السعي فيه واجب ففي العمرة أولى، ولم يذكر الإحرام؛ لأنه شرط في النسكين حجا كان أو عمرة، ولم يذكر الحلق؛ لأنه محلل مخرج منها، وهو من واجباتها كما في فتاوى قاضي خان، وهي في اللغة بمعنى الزيارة يقال اعتمر فلان فلانا إذا زاره، وفي المغرب أن أصلها القصد إلى مكان عامر ثم غلب على القصد إلى مكان مخصوص. (قوله: وتصح في السنة، وتكره يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق) لما قدمنا أنها لا تتوقف، وقد «اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته» كما في صحيح البخاري ثم المراد بالأربعة إحرامه بهن فأما ما تم له منها فثلاث الأولى عمرة الحديبية سنة ست فأحصر بها فنحر الهدي بها وحلق هو وأصحابه، ورجع إلى المدينة. الثانية عمرة القضاء في العام المقبل، وهي قضاء عن الحديبية هذا مذهب أبي حنيفة وذهب مالك إلى أنها مستأنفة لا قضاء عنها وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه، وعدم نقل أنه عليه السلام أمر الذين كانوا معه بالقضاء لا يفيد بل المفيد له نقل العدم لا عدم النقل نعم هو مما يؤنس به في عدم الوقوع؛ لأن الظاهر أنه لو كان لنقل لكن ذلك إنما يعتبر لو لم يكن من الثابت ما يوجب القضاء في مثله على العموم فيجب الحكم بعلمهم به، وقضائها من غير تعيين طريق علمي الثالثة: عمرته التي قرن مع حجته على قولنا أو التي تمتع بها إلى الحج على قول القائلين أنه حج متمتعا أو التي اعتمرها في سفره ذلك على قول القائلين بأنه أفرد واعتمر، ولا عبرة بالقول الرابع. الرابعة عمرته من الجعرانة كذا في فتح القدير، وأطلق في المختصر الكراهة فانصرفت الكراهة إلى كراهة التحريم؛ لأنها المحمل عند إطلاقها ويدل عليه ما عن عائشة رضي الله عنها قالت حلت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك، وعن ابن عباس أنها خمسة وذكر ثلاثة أيام التشريق، وأطلق في كراهتها يوم عرفة فشمل ما قبل الزوال، وما بعده، وهو المذهب خلافا لما عن أبي يوسف أنها لا تكره قبل الزوال، وأفاد بالاقتصار على الخمسة أنها لا تكره في أشهر الحج، وهو الصحيح عند أهل العلم كما في غاية البيان، ولا فرق بين المكي والآفاقي واختلفوا في أفضل أوقاتها فبالنظر إلى فعله عليه السلام فأشهر الحج أفضل وبالنظر إلى قوله فرمضان أفضل للحديث الصحيح: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، وقد وقع في الينابيع هنا غلط فاجتنبه، وهو أنه قال: تكره العمرة في خمسة أيام وذكر منها يوم الفطر بدل يوم عرفة كما نبه عليه في غاية السروجي، وفي فتاوى قاضي خان تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن. ا هـ. وهو تقييد حسن وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى، وأن يلحق المتمتع بالقارن. (قوله: وهي سنة) أي العمرة سنة مؤكدة، وهو الصحيح في المذهب، وقيل بوجوبها وصححه في الجوهرة واختاره في البدائع، وقال: إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة، وهذا لا ينافي الوجوب. ا هـ. والظاهر من الرواية ما في المختصر فإن محمدا نص في كتاب الحجر أن العمرة تطوع، وليس بينهما كبير فرق كما قدمناه مرارا واستدل لها في غاية البيان بما رواه الترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: «سئل عن العمرة أواجبة هي قال: لا، وأن تعتمروا هو أفضل»، وأما قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} فالإتمام بعد الشروع، ولا كلام لنا فيه؛ لأن الشروع ملزم، وكلامنا فيما قبل الشروع والمراد أنها سنة في العمر مرة واحدة فمن أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل؛ لأن ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة فالحاصل أن من أراد الإتيان بالعمرة على وجه أفضل فيها ففي رمضان أو الحج على وجه أفضل فبأن يقرن معه عمرة. ثم اعلم أن للعمرة معنى لغويا، ومعنى شرعيا وسببا وركنا وشرائط وجوب وشرائط صحة وواجبات وسننا وآدابا، ومفسدا كالحج، وقد بينا معناها وركنها وواجباتها، وأما سببها فالبيت وشرائط وجوبها وصحتها ما هو شرائط الحج إلا الوقت، وأما سننها وآدابها فما هو سنن الحج وآدابه إلى الفراغ من السعي، وأما مفسدها فالجماع قبل طواف الأكثر من السبعة كذا في البدائع وغيره، وقد قدمنا أنه ليس لها طواف الصدر، وقال الحسن بن زياد يجب عليه. لما كان الحج عن الغير كالتبع أخره، والأصل فيه أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة قرآن أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة أو غير ذلك عند أصحابنا للكتاب والسنة أما الكتاب فلقوله تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}، وإخباره تعالى عن ملائكته بقوله: {ويستغفرون للذين آمنوا} وساق عبارتهم بقوله تعالى: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} إلى قوله: {وقهم السيئات}، وأما السنة فأحاديث كثيرة منها ما في الصحيحين: «حين ضحى بالكبشين فجعل أحدهما عن أمته»، وهو مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب، ومنها ما رواه أبو داود: «اقرءوا على موتاكم سورة يس» وحينئذ فتعين أن لا يكون قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} على ظاهره، وفيه تأويلات أقربها ما اختاره المحقق ابن الهمام أنها مقيدة بما يهبه العامل يعني ليس للإنسان من سعي غيره نصيب إلا إذا وهبه له فحينئذ يكون له، وأما قوله عليه السلام: «لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد» فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فإن من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامه. ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطى وينبغي أن لا يصح ذلك وظاهر إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق بين الفرض والنفل فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته؛ لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته، ولم أر منقولا. (قوله: النيابة تجزئ في العبادات المالية عند العجز والقدرة، ولم تجر في البدنية بحال، وفي المركب منهما تجزئ عند العجز فقط) بيان لانقسام العبادة إلى ثلاثة أقسام مالية محضة كالزكاة وصدقة الفطر والإعتاق والإطعام والكسوة في الكفارات والعشر والنفقات سواء كانت عبادة محضة أو عبادة فهي معنى المؤنة أو مؤنة فيها معنى العبادة كما عرف في الأصول وبدنية محضة كالصلاة والصوم والاعتكاف، وقراءة القرآن والأذكار والجهاد، ومركبة من البدن والمال كالحج والأصل فيه أن المقصود من التكاليف الابتلاء والمشقة، وهي في البدنية بإتعاب النفس والجوارح بالأفعال المخصوصة وبفعل نائبه لا تتحقق المشقة على نفسه فلم تجز النيابة مطلقا لا عند العجز، ولا عند القدرة، وفي المالية بتنقيص المال المحبوب للنفس بإيصاله إلى الفقير، وهو موجود بفعل النائب، وكان مقتضى القياس أن لا تجزئ النيابة في الحج لتضمنه للمشقتين البدنية والمالية. والأولى لا يكتفى فيها بالنائب لكنه تعالى رخص في إسقاطه بتحمل المشقة الأخرى أعني إخراج المال عند العجز المستمر إلى الموت رحمة وفضلا بأن تدفع نفقة الحج إلى من يحج عنه بخلاف حالة القدرة لم يعذر؛ لأن تركه فيها ليس إلا بمجرد إيثار رحمة نفسه على أمر ربه، وهو بهذا يستحق العقاب لا التخفيف في طريق الإسقاط، وإذا جازت النيابة في المالية مطلقا فالعبرة لنية الموكل لا لنية الوكيل وسواء نوى الموكل وقت الدفع إلى الوكيل أو وقت دفع الوكيل إلى الفقراء أو فيما بينهما ولهذا قال في الفتاوى الظهيرية من فصل مصارف الزكاة: رجل دفع إلى رجل دراهم ليتصدق بها على الفقراء تطوعا فلم يتصدق المأمور حتى نوى الآمر عن الزكاة من غير أن يتلفظ به ثم تصدق المأمور جاز عن الزكاة. وكذا لو أمره أن يعتق عبدا تطوعا ثم نوى الآمر عن الكفارة قبل إعتاق المأمور عن التطوع. ا هـ. ولهذا لا تعتبر أهلية النائب حتى لو وكل المسلم ذميا في دفع الزكاة جاز كما في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام. (قوله: والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت) أي الشرط في جواز النيابة في المركب عجز المستنيب عجزا مستمرا إلى موته؛ لأن الحج فرض العمر فحيث تعلق به خطابه لقيام مشروط وجب عليه أن يقوم بنفسه في أول سني الإمكان فإذا أخر أثم وتقرر القيام بنفسه في ذمته في مدة عمره، وإن كان غير متصف بالشروط فإذا عجز عن ذلك في مدة عمره رخص له الاستنابة رحمة وفضلا فحيث قدر عليه وقتا من عمره بعدما استنابه فيه لعجز لحقه ظهر انتفاء شرط الرخصة ثم ظاهر ما في المختصر أنه لا فرق بين أن يكون المرض يرجى زواله أو لا يرجى زواله كالزمانة والعمى فلو أحج الزمن أو الأعمى ثم صح، وأبصر لزمه أن يحج بنفسه وبسبب هذا صرح المحقق في فتح القدير به، وليس بصحيح بل الحق التفصيل فإن كان مرضا يرجى زواله فأحج فالأمر مراعى فإن استمر العجز إلى الموت سقط الفرض عنه، وإلا فلا، وإن كان مرضا لا يرجى زواله كالعمى فأحج غيره سقط الفرض عنه سواء استمر ذلك العذر أو زال صرح به في المحيط، وفتاوى قاضي خان و المبسوط وصرح به في معراج الدراية بأنه إذا أحج الأعمى غيره ثم زال العمى لا يبطل الإحجاج. ا هـ. وقيد بالعجز الدائم؛ لأنه لو أحج، وهو صحيح ثم عجز واستمر لا يجزئه لفقد الشرط ويشكل عليه ما في التجنيس، وفتاوى قاضي خان وغيرهما أنه لو قال: لله علي ثلاثون حجة فأحج ثلاثين نفسا في سنة واحدة إن مات قبل أن يجيء وقت الحج جاز عن الكل؛ لأنه لم تعرف قدرته بنفسه عند مجيء وقت الحج، وإن جاء وقت الحج، وهو يقدر بطلت حجته؛ لأنه يقدر بنفسه عليها فانعدم الشرط فيها، وعلى هذا كل سنة تجيء. ا هـ. وينبغي أن يراد بوقت الحج وقت الوقوف بعرفة يعني إن جاء يوم عرفة، وهو ميت أجزأه الكل، وإن كان حيا بطلت واحدة وتوقف الأمر في الباقي، وليس المراد بوقت الحج أشهر الحج؛ لأن الإحجاج يكون في أشهر الحج فلا يتأتى التفصيل، وإن كان المكان بعيدا فأحج قبل الأشهر فهو قاصر الإفادة عما إذا كان قريبا فأحج في الأشهر الحرم فالأولى ما قلناه ووجه إشكاله على ما سبق إن وقت الإحجاج كان صحيحا فإذا مات قبل وقته أجزأه. وقد تقدم أنه إذا أحج، وهو صحيح ثم عجز لا يجزئه ودفعه بأن المراد بعجزه بعد الإحجاج العجز بعد فراغ النائب عن الحج بأن كان وقت الوقوف صحيحا فلا مخالفة كما لا يخفى، وعلى هذا المرأة إذا لم تجد محرما لا تخرج إلى الحج إلى أن تبلغ الوقت الذي تعجز عن الحج فحينئذ تبعث من يحج عنها أما قبل ذلك فلا يجوز لتوهم وجود المحرم فإن بعثت رجلا إن دام عدم المحرم إلى أن ماتت فذلك جائز كالمريض إذا أحج عنه رجلا ودام المرض إلى أن مات، وأطلق في العجز فشمل ما إذا كان سماويا أو بصنع العباد فلو أحج، وهو في السجن فإذا مات فيه أجزأه، وإن خلص منه لا، وإن أحج لعدو بينه وبين مكة إن أقام العدو على الطريق حتى مات أجزأه، وإن لم يقم لا يجزئه كذا في التجنيس وذكر في البدائع. وأما شرائط جواز النيابة فمنها أن يكون المحجوج عنه عاجزا عن الأداء بنفسه، وله مال فلا يجوز إحجاج الصحيح غنيا كان أو فقيرا؛ لأن المال من شرائط الوجوب، ومنها العجز المستدام إلى الموت، ومنها الأمر بالحج فلا يجوز حج الغير عنه بغير أمره إلا الوارث يحج عن مورثه فإنه يجزئه إن شاء الله تعالى لوجود الأمر دلالة، ومنها نية المحجوج عنه عند الإحرام، ومنها أن يكون حج المأمور بمال المحجوج عنه فإن تطوع الحاج عنه بمال نفسه لم يجز عنه حتى يحج بماله، وكذا إذا أوصى أن يحج بماله فمات فتطوع عنه وارثه بمال نفسه؛ لأن الفرض تعلق بماله فإذا لم يحج بماله لم يسقط عنه الفرض، ومنها الحج راكبا حتى لو أمره بالحج فحج ماشيا يضمن النفقة ويحج عنه راكبا؛ لأن المفروض عليه هو الحج راكبا فينصرف مطلق الأمر بالحج إليه فإذا حج ماشيا فقد خالف فيضمن. ا هـ. وفي فتح القدير واعلم أن شرط الإجزاء كون أكثر النفقة من مال الآمر فإن أنفق الأكثر أو الكل من مال نفسه، وفي المال المدفوع إليه وفاء بحجه رجع به فيه إذ قد يبتلى بالإنفاق من مال نفسه لبعث الحاجة، ولا يكون المال حاضرا فيجوز ذلك كالوصي والوكيل يشتري لليتيم ويعطي الثمن من مال نفسه فإنه يرجع به في مال اليتيم. ا هـ. وبهذا علم أن اشتراطهم أن تكون النفقة من مال الآمر للاحتراز عن التبرع لا مطلقا. (قوله: وإنما شرط عجز المنوب للحج الفرض لا النفل) لجواز الإنابة مع القدرة في حج النفل؛ لأن المقصود منه الثواب فإذا كان له تركه أصلا فله تحمل مشقة المال بالأولى أطلقه فشمل حجة الإسلام والحجة المنذورة، وأشار به إلى أنه لو أحج عنه، وهو صحيح حجة الإسلام أو كان مريضا ثم صح بطل وصف الفرضية لفقد شرطه، وهو العجز وبقي أصل الحج تطوعا للآمر لا أنه فاسد أصلا صرح به الإسبيجابي والسرخسي وعلاء الدين النجاري في الكشف، ولم يحكوا فيه خلافا فعلى هذا بين الصلاة والحج فرق على قول محمد فإنه يقول فيها إذا بطل وصفها بطل أصلها، ولم ينقل عنه في الحج ذلك لما أن باب الحج أوسع فلهذا يمضى في فاسده كما يمضى في صحيحه. وأشار المصنف بجريان النيابة في الحج عند العجز في الفرض، ومطلقا في النفل أن أصل الحج يقع للآمر لحديث الخثعمية، وهي أسماء بنت عميس من المهاجرات، وهو أنها «قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم» متفق عليه فقد أطلق كونه عنه، وقولهما أفأحج عنه فيه روايتان فتح الهمزة وضم الحاء أي أنا أحرم عنه بنفسي وأؤدي الأفعال، وهذا هو المشهور من الرواية وروي بضم الهمزة، وكسر الحاء أي آمر أحدا أن يحج عنه ذكره الهندي في شرح المغني، وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا كما في الهداية وظاهر المذهب كما في المبسوط، وهو الصحيح كما في كثير من الكتب، وذهب عامة المتأخرين كما في الكشف إلى أن الحج يقع عن المأمور وللآمر ثواب النفقة قالوا: وهو رواية عن محمد، وهو اختلاف لا ثمرة له؛ لأنهم اتفقوا أن الفرض يسقط عن الآمر، ولا يسقط عن المأمور، وأنه لا بد من أن ينويه عن الآمر، وهو دليل المذهب، وأنه يشترط أهلية النائب لصحة الأفعال حتى لو أمر ذميا لا يجوز، وهو دليل الضعيف، ولم أر من صرح بالثمرة، وقد يقال إنها تظهر فيمن حلف أن لا يحج فعلى المذهب إذا حج عن غيره لا يحنث، وعلى الضعيف يحنث إلا أن يقال: إن العرف أنه قد حج، وإن وقع عن غيره فيحنث اتفاقا. (قوله: ومن حج عن آمريه ضمن النفقة)؛ لأن كل واحد منهما أمره بأن يخلص النفقة له من غير اشتراك، ولا يمكنه إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية فيقع عن المأمور نفلا، ولا يجزئه عن حجة الإسلام ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما؛ لأنه صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه أطلق في الآمرين فشمل الأبوين وسيأتي إخراجهما، وقيد بالأمر بهما؛ لأنه لو أحرم عنهما بغير أمرهما فله أن يجعله عن أحدهما؛ لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما فبقي على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه، وأشار بالضمان إلى أنه لا يمكنه بأن يجعله عن أحدهما بعد ذلك، وقيد بكونه أحرم عنهما معا؛ لأنه لو أحرم عن أحدهما غير معين فالأمر موقوف فإن عين أحدهما قبل الطواف والوقوف انصرف إليه، وإلا انصرف إلى نفسه، ولا يكون مخالفا بمجرد الإحرام المذكور؛ لأن كلا أمره بحجة، وأحدهما صالح لكل منهما صادق عليه، ولا منافاة بين العام والخاص، ولا يمكن أن يصير للمأمور؛ لأنه نص على إخراجها عن نفسه بجعلها لأحد الآمرين فلا ينصرف إليه إلا إذا وجد أحد الأمرين اللذين ذكرناهما، ولم يتحقق بعد فإذا شرع في الأعمال قبل التعيين تعينت له؛ لأن الأعمال لا تقع لغير معين ثم ليس في وسعه أن يحولها إلى غيره، وإنما جعل له الشرع ذلك إلى الثواب، ولولا الشرع لم يحكم به في الثواب أيضا، ولو أحرم بحجة من غير تعيين فإنه يصح التعيين بعده لأحدهما بالأولى وذكر في الكافي أنه ينبغي أن يكون مجمعا عليه لعدم المخالفة، ولو أحرم مبهما من غير تعيين ما أحرم به لآمر معين فإنه يجوز بلا خلاف، وهو أظهر من الكل فصور الإبهام أربعة في واحدة يكون مخالفا، وهي مسألة الكتاب منطوقا، وفي الثلاثة لا يكون مخالفا، وهي أن يكون الإبهام إما في الآمر أو في النسك أو فيهما، ولو أهل المأمور بالحج بحجتين إحداهما عن نفسه والأخرى عن الآمر ثم رفض التي أهل بها عن نفسه تكون الباقية عن الآمر كأنه أهل بها وحدها. وأشار المصنف إلى أن المأمور في كل موضع يصير مخالفا فإنه يضمن النفقة فمنها ما إذا أمره بالإفراد بحجة أو عمرة فقرن، فهو ضامن للنفقة عنده خلافا لهما. ومنها ما إذا أمره بالحج فاعتمر ثم حج من مكة؛ لأنه مأمور بحج ميقاتي، وما أتى به مكي بخلاف ما إذا أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه لم يكن مخالفا، والنفقة في مدة إقامته للحج في ماله؛ لأنه أقام في منفعة نفسه بخلاف ما إذا حج أولا ثم اعتمر للآمر فإنه يكون مخالفا؛ لأنه جعل المسافة للحج، وأنه لم يؤمر به، وإن كانت الحجة أفضل من العمرة؛ لأنه خلاف من حيث الجنس كالوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بألف دينار كذا في المحيط، وفي فتح القدير والحاج عن غيره إن شاء قال لبيك عن فلان، وإن شاء اكتفى بالنية عنه، وليس للمأمور أن يأمر غيره بما أمر به عن الآمر، وإن مرض في الطريق إلا أن يكون وقت الدفع قيل له اصنع ما شئت فحينئذ له أن يأمر غيره به، وإن كان صحيحا فلو أحج رجلا فحج ثم أقام بمكة جاز؛ لأن الفرض صار مؤدى والأفضل أن يحج ثم يعود إلى أهله. ا هـ. ثم اعلم أن النفقة ما يكفيه لذهابه، وإيابه وأنه لا يخلو إما أن يكون المحجوج عنه حيا أو ميتا فإن كان حيا فإنه يعطيه بقدر ما يكفيه كما ذكرنا فإن أعطاه زائدا على كفايته فلا يحل للمأمور ما زاد بل يجب عليه رده إلى صاحبه إلا إذا قال: وكلتك أن تهب الفضل من نفسك وتقبضه لنفسك فإن كان على موت قال: والباقي مني لك وصية، وإن كان قد أوصى بأن يحج عنه ثم مات فإما أن يعين قدرا أو لا فإن عين قدرا اتبع ما عينه حتى لا يجوز النقص عنه إذا كان يخرج من الثلث كما سيأتي تفصيله قريبا في مسألة الوصية ولهذا قال في المحيط: رجل مات وترك ابنين، وأوصى بأن يحج عنه بثلاثمائة وترك تسعمائة، وأنكر أحدهما، وأقر الآخر، وأخذ كل واحد منهما نصف المال ثم إن المقر دفع مائة وخمسين يحج بها عن الميت ثم أقر الآخر إن أحج بأمر القاضي يأخذ المقر من الجاحد خمسة وسبعين درهما؛ لأنه جاز الحج عن الميت بمائة وخمسين وبقي مائة وخمسون ميراثا لهما فيكون لكل واحد نصفه، وإن أحج لغير أمر القاضي فإنه يحج مرة أخرى بثلاثمائة؛ لأنه لم يجز الحج عن الميت؛ لأنه أمره بثلاثمائة. ا هـ. ومع التعيين المذكور لا يحل للمأمور المذكور ما فضل بل يرده على ورثته؛ ولهذا قالوا لو أوصى بأن يعطى بعيره هذا رجلا ليحج عنه فدفع إلى رجل فأكراه الرجل فأنفق الكراء على نفسه في الطريق وحج ماشيا جاز عن الميت استحسانا، وإن خالف أمره وصححه في المحيط، وقال أصحاب الفتاوى: هو المختار؛ لأنه لما ملك أن يملك رقبتها بالبيع ويحج بالثمن استحسانا هو المختار فلأن يملك أن يملك منفعتها بالإجارة ويحج ببدل المنفعة كان أولى؛ لأنه لو لم يظهر في الآخرة أنه يملك ذلك يكون الكراء له؛ لأنه غاصب، والحج له فيتضرر الميت ثم يرد البعير إلى ورثة الميت؛ لأنه ملك المورث. ا هـ. وهذه المسألة خرجت عن الأصل للضرورة فإن الأصل أن المأمور بالحج راكبا إذا حج ماشيا فإنه يكون مخالفا، وإن لم يعين الموصي قدرا فإن الورثة يحجون عنه من الثلث بقدر الكفاية ولهذا قال: الولوالجي في فتاويه رجل مات، وأوصى أن يحج عنه، ولم يقدر فيه مالا فالوصي إن أعطى إلى رجل ليحج عنه في محمل احتاج إلى ألف، ومائتين، وإن حج راكبا لا في محمل يكفيه الألف وكل ذلك يخرج من الثلث يجب أقلهما؛ لأنه هو المتيقن. ا هـ. فالحاصل أن المأمور لا يكون مالكا لما أخذه من النفقة بل يتصرف فيه على ملك المحجوج عنه حيا كان أو ميتا معينا كان القدر أو غير معين، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط المتقدم سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من الزاد كما صرح به في الفتاوى الظهيرية وينبغي أن تكون كذلك الحجة المشروطة من جهة الواقف كما شرط سليمان باشا بوقفه بمصر قدرا معينا لمن يحج عنه كل سنة فإنه يتبع شرطه، ولا يحل للمأمور ما فضل منه بل يجب رده إلى الوقف، وهذا كله إذا أوصى بأن يحج عنه أما إذا قال: أحجوا فلانا حجة، ولم يقل عني، ولم يسم كم يعطى فإنه يعطى قدر ما يحج به ويكون ملكا له، وإن شاء حج به، وإن شاء لم يحج، وهو وصية كما في المبسوط وغيره. فإذا عرف ذلك فللمأمور بالحج أن ينفق على نفسه بالمعروف ذاهبا وآيبا، ومقيما من غير تبذير، ولا تقتير في طعامه وشرابه وثيابه وركوبه، وما لا بد له منه من محمل، وقربة، وأدوات السفر فلو توطن بمكة بعد الفراغ فإن كان لانتظار القافلة فنفقته في مال الميت، وإلا فمن مال نفسه، وما ذكره أكثر المشايخ من أنه إذا توطن خمسة عشر يوما فنفقته عليه فمحمول على ما إذا كان لغير عذر، وهو عدم خروج القافلة، وكذا ما ذكره بعضهم من اعتبار الثلاث، وإذا صارت النفقة عليه بعد خروجها ثم بدا له أن يرجع رجعت نفقته في مال الميت؛ لأنه كان استحق نفقة الرجوع في مال الميت، وهو كالناشزة إذا عادت إلى المنزل والمضارب إذا أقام في بلد أو بلدة أخرى خمسة عشر يوما لحاجة نفسه، وفي البدائع هذا إذا لم يتخذ مكة دارا فأما إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة بلا خلاف، وإن أقام بها من غير نية الإقامة قالوا إن كانت الإقامة معتادة لم تسقط، وإن زاد على المعتاد سقطت، ولو تعجل إلى مكة فهي في مال نفسه إلى أن يدخل عشر ذي الحجة فتصير في مال الآمر، ولو سلك طريقا أبعد من المعتاد إن كان مما سلكه الناس ففي مال الآمر، وإلا ففي ماله، وله أن ينفق على نفسه نفقة مثله من طعام، ومنه اللحم والكسوة، ومنه ثوبا إحرامه وأجرة من يخدمه إن كان ممن يخدم، وليس له أن ينفق ما فيه ترفيه كدهن السراج والأدهان والتداوي والاحتجام وأجرة الحمام والحلاق إلا أن يوسع عليه واختار في المحيط والخانية أن يعطى أجرة الحمام والحارس، وصرح الولوالجي بأنه المختار، وقالوا: له أن يشتري حمارا يركبه وذكر الولوالجي بأنه مكروه والجمل أفضل؛ لأن النفقة فيه أكثر، وليس له أن يدعو أحدا إلى طعامه، ولا يتصدق به، ولا يقرض أحدا، ولا يصرف الدراهم بالدنانير، ولا يشتري بها ماء لوضوئه، ولو اتجر في المال ثم حج بمثله فالأصح أنها عن الميت ويتصدق بالربح كما لو خلطها بدراهمه حتى صار ضامنا ثم حج بمثلها، وله أن يخلط الدراهم للنفقة مع الرفقة للعرف كذا في المحيط. (قوله: ودم الإحصار على الآمر ودم القران ودم الجناية على المأمور)؛ لأن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه، وأراد من الآمر المحجوج عنه فشمل الميت فإن دم الإحصار من ماله ثم قيل هو من ثلث ماله؛ لأنه صلة كالزكاة وغيرها، وقيل من جميع المال؛ لأنه وجب حقا للمأمور فصار دينا كذا في الهداية، وإذا تحلل المأمور المحصر بذبح الهدي فعليه الحج من قابل بمال نفسه، ولا يكون ضامنا للنفقة كفائت الحج لعدم المخالفة، وعليه الحج من قابل بمال نفسه كذا قالوا، ولم يصرحوا بأنه في الإحصار والفوات إذا قضى الحج هل يكون عن الآمر أو يقع للمأمور، وإذا كان للآمر فهل يجبر على الحج من قابل بمال نفسه، وإنما وجب دم القران على المأمور باعتبار أنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين والمأمور هو المختص بهذه النعمة؛ لأن حقيقة الفعل منه، وإن كان الحج يقع عن الآمر؛ لأنه وقوع شرعي ووجوب دم الشكر مسبب عن الفعل الحقيقي الصادر من المأمور. وأطلق في القران فشمل ما إذا أمره واحد بالقران فقرن أو أمره واحد بالحج وآخر بالعمرة، وأذنا له في القران وبقي صورتان يكون بالقران فيهما مخالفا إحداهما ما إذا لم يأذنا له بالقران فقرن عنهما ضمن نفقتهما الثانية ما إذا أمره بالحج مفردا فقرن فإنه يكون ضامنا للنفقة لا؛ لأن الإفراد أفضل من القران بل؛ لأنه أمره بإفراد سفر له، وقد خالف، وفي الثانية خلافهما هما يقولان هو خلاف إلى خير، وهو يقول إنه لم يأمره بالعمرة، ولا ولاية لأحد في إيقاع نسك عن غيره بغير أمره فصار كما لو أمره بالإفراد فتمتع فإنه يكون مخالفا اتفاقا، وأراد بالقران دم الجمع بين النسكين قرانا كان أو تمتعا كما صرح به في غاية البيان لكن بالإذن المتقدم، وأطلق في دم الجناية فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد ودم الحلق ودم لبس المخيط والطيب ودم المجاوزة بغير إحرام، وإنما وجب على المأمور وحده باعتبار أنه تعلق بجنايته لكن في الجناية بالجماع تفصيل إن كان قبل الوقوف ضمن جميع النفقة؛ لأنه صار مخالفا بالإفساد، وإن بعده فلا ضمان والدم على المأمور على كل حال، وإذا فسد حجه لزمه الحج من قابل بمال نفسه، وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر، ولو أتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع، ولم يطفه فهو حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ويقضي ما بقي عليه؛ لأنه جان في هذه الصورة أما لو مات بعد الوقوف قبل الطواف جاز عن الآمر؛ لأنه أدى الركن الأعظم كذا قالوا، وقد قدمنا في أول كتاب الحج فيه بحثا، وأعظمية أمرها إنما هو للأمن من الإفساد بعده لا؛ لأنه يكفي فيجب على الآمر الإحجاج، وفي فتح القدير، وأما دم رفض النسك، ولا يتحقق ذلك إذا تحقق إلا في مال الحاج، ولا يبعد لو فرض أنه أمره بحجتين معا ففعل حتى ارتفضت إحداهما كونه على الآمر، ولم أره والله سبحانه أعلم. ا هـ. ولو اختلف المأمور والورثة أو الوصي فقال: وقد أنفق من مال الميت منعت من الحج، وكذبه الآخر لا يصدق ويضمن إلا أن يكون أمرا ظاهرا يشهد على صدقه؛ لأن سبب الضمان قد ظهر فلا يصدق في دفعه إلا بظاهر يدل على صدقه، ولو اختلفا فقال: حججت، وكذبه الآمر كان القول للمأمور مع يمينه؛ لأنه يدعي الخروج عن عهدة ما هو أمانة في يده، ولا تقبل بينة الوارث أو الوصي أنه كان يوم النحر بالبلد؛ لأنها شهادة على النفي إلا أن يقيما على إقراره أنه لم يحج أما لو كان الحاج مديونا للميت أمره أن يحج بما له عليه وباقي المسألة بحالها فإنه لا يصدق إلا ببينة؛ لأنه يدعي قضاء الدين هكذا في كثير من الكتب، وفي خزانة الأكمل القول له مع يمينه إلا أن يكون للورثة مطالب بدين الميت فإنه لا يصدق في حق غريم الميت إلا بالحجة، والقواعد تشهد للأول فكان عليه المعول. (قوله: فإن مات في طريقه يحج عنه من منزله بثلث ما بقي) هذه العبارة تحتمل شيئين: الأول أن يكون فاعل مات المأمور بالحج فمعنى المسألة أن الوصي إذا أحج رجلا عن الميت فمات الرجل في الطريق فإنه يحج عن الميت الموصي من منزله بثلث ما بقي من المال كله، وعلى هذا الوجه اقتصر الشارحون مع ما فيه من التعقيد في الضمائر فإن ضمير مات يرجع إلى المأمور وضمير عنه، ومنزله يرجع إلى الموصي. الثاني أن يكون فاعل مات هو الموصي، فيتحد مرجع الضمائر، وهو صحيح فإنه إذا مات بعدما خرج حاجا، وأوصى بالحج فإنه يحج عنه من منزله بثلث تركته، ويصدق عليه أنه بثلث ما بقي أي بعد الإنفاق في الطريق. فالحاصل أن الآمر إما أن يكون حيا وقت الإحجاج أو ميتا فإن كان حيا، ومات المأمور في الطريق فإنه يحج إنسانا آخر من منزله على كل حال؛ لأنه حي يرجع إليه ولهذا لو أمر إنسانا بأن يحج عنه ودفع له مالا فلم تبلغ النفقة من بلده لم يحج عنه من حيث تبلغ كالميت؛ لأنه يمكن الرجوع إليه فيحصل الاستدراك بخلاف الميت كذا في الولوالجية، وإن كان ميتا، وأوصى بأن يحج عنه فلا يخلو إما أن يكون قد خرج حاجا بنفسه، ومات في الطريق أو لا، وفي كل منهما لا يخلو إما إن أطلق الوصية أو عين المال والمكان فإن أوصى بأن يحج عنه، وأطلق يحج عنه من ثلث ماله؛ لأنه بمنزلة التبرعات فإن بلغ ثلثه أن يحج عنه من بلده وجب الإحجاج من بلده؛ لأن الواجب عليه الحج من بلده الذي يسكنه، وكذا إن خرج لغير الحج، ومات في الطريق، وأوصى. وأما إذا خرج للحج، ومات في الطريق، وأوصى فإنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة، وقالا يحج من حيث مات، وعلى هذا الخلاف المأمور في الحج إذا مات في الطريق فإنه يحج عن الموصي من منزله بثلث ما بقي من التركة، وكذا لو مات الثاني أو الثالث إلى أن لا يبقى شيء يمكن أن يحج بثلثه عند أبي حنيفة، وإن كان للموصي أوطان حج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة؛ لأنه متيقن به، وإن لم يكن له وطن فمن حيث مات فلو مات مكي بالكوفة، وأوصى بحجة حج عنه من مكة. وإن أوصى بالقران قرن من الكوفة؛ لأنه لا يصح من مكة فإن أحج عنه الوصي من غير وطنه مع ما يمكن الإحجاج من وطنه من ثلث ماله فإن الوصي يكون ضامنا ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا إلا إذا كان المكان الذي أحج منه قريبا إلى وطنه من حيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل فحينئذ لا يكون ضامنا مخالفا هذا كله إن بلغ ثلث ماله فإن لم يبلغ الإحجاج من بلده حج عنه من حيث يبلغ استحسانا، وإن بلغ الثلث أن يحج عنه راكبا فأحج عنه ماشيا لم يجز، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده قال محمد: يحج عنه من حيث بلغ راكبا، وعن أبي حنيفة أنه مخير بين أن يحج عنه من بلده ماشيا أو راكبا من حيث تبلغ هذا إذا أطلق، وأما إذا عين مكانا اتبع؛ لأن الإحجاج لا يجب بدون الوصية فيجب بمقدارها، وهذا كله إذا كان الثلث يكفي لحجة واحدة فإن كان يكفي لحجج فهو على ثلاثة أقسام إما أن يعين حجة واحدة أو يطلق أو يعين في كل سنة حجة ففي الأول يحج عنه واحدة، وما فضل فهو لورثته، وفي الثاني خير الوصي إن شاء أحج عنه في كل سنة حجة، وإن شاء أحج عنه في سنة واحدة حججا، وهو الأفضل؛ لأنه تعجيل تنفيذ الوصية؛ لأنه ربما هلك المال، وفي الثالث كالثاني، ولم يذكر في الأصل؛ لأن شرط التفريق لا يفيد فصار كالإطلاق كما لو أمر الموصي رجلا بالحج في هذه السنة فأخره المأمور إلى القابل فإنه يجوز عن الميت، ولا يضمن النفقة؛ لأن ذكر السنة للاستعجال لا للتقييد، ولو أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله أو أطلق فهلكت النفقة في يد المأمور قال أبو حنيفة: يحج عنه بثلث ماله، وقال أبو يوسف بما بقي من ثلث ماله، وأبطله محمد. وهذا كله إذا لم يعين الموصي قدرا فإن عين قدرا من المال فإن بلغ ذلك أن يحج عنه من بلده وجب، وإلا فمن حيث يبلغ، ولو عين أكثر من الثلث يحج عنه بالثلث من حيث يبلغ بخلاف الوصية بشراء عبد بأكثر من الثلث، وإعتاقه عنه فإنها باطلة؛ لأن في العتق لا يجوز النقصان عن المسمى كذا في المحيط وغيره وذكر الولوالجي في فتاواه لو أوصى بأن يحج عنه من ثلث ماله، ولم يقل حجة حج عنه من جميع الثلث؛ لأنه أوصى بصرف جميع الثلث إلى الحج؛ لأن كلمة من للتمييز عن أصل المال، ولو دفع الوصي الدراهم إلى رجل ليحج عن الميت فأراد أن يسترد كان له ذلك ما لم يحرم؛ لأن المال أمانة في يده فإن استرده فنفقته إلى بلده على من تكون إن استرد بجناية ظهرت منه فالنفقة في ماله خاصة، وإن استرد لا بجناية، ولا تهمة فالنفقة على الوصي في ماله خاصة، وإن استرد لضعف رأي فيه أو لجهله بأمور المناسك فأراد الدفع إلى أصلح منه فنفقته في مال الميت؛ لأنه استرد لمنفعة الميت. ا هـ. وفي فتح القدير لو أوصى أن يحج عنه، ولم يزد على ذلك كان للوصي أن يحج بنفسه إلا أن يكون وارثا، وإن دفعه إلى وارث ليحج فإنه لا يجوز إلا أن تجيز الورثة، وهم كبار؛ لأن هذا كالتبرع بالمال فلا يصح للوارث إلا بإجازة الباقين، ولو قال الميت للوصي: ادفع المال لمن يحج عنه لم يجز له أن يحج بنفسه مطلقا، وفي الظهيرية، ولو كان ثلث ماله قدر ما لا يمكن الإحجاج عنه بطلت الوصية، وفي التجنيس رجل أوصى بأن يحج عنه فحج عنه ابنه ليرجع في التركة فإنه يجوز كالدين إذا قضاه من مال نفسه، ولو حج على أن لا يرجع فإنه لا يجوز عن الميت؛ لأنه لم يحصل مقصود الميت، وهو ثواب الإنفاق، وعلى هذا الزكاة والكفارة، ومثله لو قضى عنه دينه متطوعا جاز؛ لأن الحج عن الكبير العاجز بغير أمره لا يجوز، وقضاء الدين بغير أمره في حالة الحياة يجوز فكذا بعد الموت. رجل مات، وعليه حجة الإسلام فحج عنه رجل بإذنه، ولم ينو لا فرضا ولا نفلا فإنه يجوز عن حجة الإسلام، ولو نوى تطوعا لا يجوز عن حجة الإسلام. ا هـ. وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد لو قال: حجوا من ثلثي حجتين يكتفى بواحدة والباقي للورثة إن فضل. ا هـ. وهو مشكل على ما تقدم من المحيط والولوالجية، وهو مبني على الفرق بين أن يوصي من الثلث وبين أن يوصي بجميع الثلث وذكر في آخر العمدة من الوصايا لو أوصى بأن يحج عنه بالألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك؛ لأن الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي، وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل. ا هـ. وفي العدة امرأة تركت مهرها على الزوج ليحج بها وحج بها فعليه المهر؛ لأنه بمنزلة الرشوة، وهي حرام ا هـ. وذكر الإسبيجابي أنه لا يجوز الاستئجار على الحج، ولا على شيء من الطاعات فلو استؤجر على الحج ودفع إليه الأجر فحج عن الميت فإنه يجوز عن الميت، وله من الأجر مقدار نفقة الطريق في الذهاب والمجيء ويرد الفضل على الورثة؛ لأنه لا يجوز الاستئجار عليه، ولا يحل له أن يأخذ الفضل لنفسه إلا إذا تبرع الورثة به، وهم من أهل التبرع أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج. وقال بعض مشايخنا: لا تجوز هذه الوصية؛ لأن الموصى له مجهول إلا أن الأول أصح؛ لأن الموصى له يصير معروفا بالحج كما لو أوصى بشراء عبد بغير عينه ويعتق ويعطى له مائة درهم فإنها جائزة، وقال بعضهم: لا تجوز. ا هـ. وأراد المصنف بموته في الطريق موته قبل الوقوف بعرفة، ولو كان بمكة، وفي المحيط، ولو دفع إلى رجل مالا ليحج به عنه فأهل بحجة ثم مات الآمر فللورثة أن يأخذوا ما بقي من المال معه ويضمنونه ما أنفق منه بعد موته، ولا يشبه الورثة الآمر في هذا؛ لأن نفقة الحج كنفقة ذوي الأرحام فتبطل بالموت ويرجع المال إلى الورثة ا هـ. (قوله: ومن أهل بحج عن أبويه فعين صح)؛ لأنه جعل الثواب للغير، وهو لا يحصل إلا بعد الأداء فالنية قبله لهما لغو فإذا فرغ وجعله لأحدهما أو لهما فإنه يجوز بخلاف ما إذا أهل عن آمريه ثم عين لما تقدم أنه صار مخالفا وبهذا علم أن التعيين بعد الإبهام ليس بشرط، وإنما ذكره ليعلم منه حكم عدم التعيين بالأولى؛ لأنه بعد أن جعله لهما يملك صرفه عن أحدهما فلأن يبقيه لهما أولى وبهذا علم أن الأجنبي كالوارث في هذا فإن من تبرع عن أجنبيين بالحج فهو كالولد عن الأبوين؛ لأن المجعول إنما هو الثواب فله أن يجعله لمن شاء، وعلم أيضا أنه في الوارث المتبرع من غير وصية أما إذا أوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج فقد قدمنا أنه لا يجوز، وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالإحجاج عنه رجلا فقد قال أبو حنيفة يجزئه إن شاء الله تعالى لحديث الخثعمية فإنه شبهه بدين العباد، وفيه لو قضى الوارث من غير وصية يجزئه فكذا هذا، وفي المبسوط فإن قيل فقد أطلق أبو حنيفة الجواب في كثير من الأحكام الثابتة بخبر الواحد، ولم يقيده بالمشيئة قلنا إن خبر الواحد يوجب العمل فيما طريقه العمل فأطلق الجواب فيه فأما سقوط حجة الإسلام عن الميت بأداء الورثة طريقه العلم فإنه أمر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواب بالاستثناء. ا هـ. وذكر الولوالجي أن قوله إن شاء الله تعالى على القبول لا على الجواز؛ لأنه شبهه بقضاء الدين، ومن تبرع بقضاء دين رجل كان صاحب الدين بالخيار إن شاء قبل، وإن شاء لم يقبل فكذا في باب الحج. ا هـ. ثم اعلم أن حج الولد عن والده ووالدته مندوب للأحاديث كما في فتح القدير ثم المصنف رحمه الله تعالى لم يقيد الحاج عن الغير بشيء ليفيد أنه يجوز إحجاج الصرورة، وهو الذي لم يحج أولا عن نفسه لكنه مكروه كما صرحوا به واختار في فتح القدير أنها كراهة تحريم للنهي الوارد في ذلك، وفي البدائع يكره إحجاج المرأة والعبد والصرورة والأفضل إحجاج الحر العالم بالمناسك الذي حج عن نفسه، وهو يدل على أنها كراهة تنزيه، وإلا قال: ويجب إحجاج الحر إلى آخره والحق أنها تنزيهية على الآمر تحريمية على الصرورة المأمور الذي اجتمعت فيه شروط الحج، ولم يحج عن نفسه؛ لأنه آثم بالتأخير، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
|